هل تعتقد أن للأحمق دور في حل المشكلات؟!!
من سنوات دُعيتُ للتدخل للصُلح بين عائلتين متخاصمتين، وعندما جلست مع أحد كبار السن من ممثلي العائلة المعتدى عليها، وهى عائلة مشهود لها بالإحترام بين الناس وبعدم المبادرة بالشر، قال لي هذا الرجل كلمات أدهشتني، وعندما أمعنت النظر فيها أعجبتنى. قال: ” كانوا بيقولوا زمان إن كل عيلة لازم يكون فيها واحد سفيه”، فابتسمت بتعجبت وقلتُ ليه؟! قال: يُرد الكيد عن عيلته. قلتُ: وكيف ذلك!
قال بلهجته البسيطة ما معناه: لأنه دائماً يتم الاعتداء على الأشخاص المحترمين، لأنهم دائماً مطمع للمعتدين، لأن ردود أفعالهم كمحترمين لا تتجاوز إطار القانون، فيكفي لإرضائهم اعتذار ولا يتوقع منهم أبداً انتقام.
وأكمل قائلاً ولكن لو كنت أملك هذا السفيه فب عائلتى، لكان حينما يهم هذا المعتدى باعتدائه، يجعل دائماً نصب عينيه ردة فعل هذا السفيه فيتراجع، وفي أسوأ الأحوال عندما يأتى المعتدى علىَّ كي يعتذر، كان يهم هذا السفيه بضربه مثلاً، وكنت أنا حينها سأضربه – يقصد السفيه – وهاقوله عيب، بس في الواقع إن حقي وصلنى. يقال في المثل العربي “رب رمية بغير رام”.
بالطبع نحن كمتعلمين ومثقفين لا ندعو للمعاملة بالمثل فتصير غابة، فأنا لست أدعو الناس للمعاملة بالمثل، كما أنني لا أملك هذه الدعوة، لأنه لو عاملنا كل معتدي بفعله لتلوثنا بكل أفعالهم، كما أن هذا الأمر ليس على مطلقه، وإنما هو مشروط، بقدرة الحكماء في السيطرة على هذا الأحمق وترويضه، وإلا كانت كارثة، ومع كلٍ فهذا لا يمنع من أن الأمر يستدعي البحث والنظر.
فالناظر إلى القصة السابقة يجد أن ردة فعل السفيه الغير متوقعة، ردت الإعتداء عن هذه العائلة المحترمة، حتى لا تصبح مطمعا للمعتدين، وأصبح السفيه وهو أقل عائلته، والذي لا يحسن التصرف، هو درع أمان للعائلة من أي اعتداء، فيكفي منه أنه سيغني الحكماء عن معاملة الحمقى، فهو وفق منهج العادات المتخلفة مَن يُحسب له كل اعتبار بسبب ردة فعله، لأن العقلاء من الناس سيكونون حذرين من التعامل مع هذا الأحمق وستكون ردود أفعالهم مع هذا السفيه، مثل هذا الحكيم.
سئل أحد الحكماء: لماذا لا تنتقم ممن يسيئون إليك..؟ فرد ضاحكاً: وهل من الحكمة أن أعض كلبا عضني!
ويقول هتلر: لا تجادل الأحمق، فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما.
ولكن تذكروا أنه ليس الكثير من الناس يملك الحكمة، كما أن القليل منهم من يعرف الصبر.،
وقد ذكر لي أحد أصدقاء الصفحة من الجزائر، قصة جميلة في هذا الشأن، قال كان هناك رجل عندنا يعرف بالإصلاح بين الناس، فكان حينما يخرج لهذا الأمر، يصطحب معه رجلين، رجل حكيم، ورجل أخر أحمق، فسألوه عن سبب ذلك، فقال إنما أصطحب الحكيم لحل المشكلات، وأصطحب الأحمق لمنع وقوع المشكلات، فعندما يراه الحمقى أمثاله يتوقفوا عن إحداث المشكلات.
بصراحة وأصدقكم القول أعجبتني فكرة السفيه، بل واقتنعت بها تماماً، ووجدت أن بها نوعاً ما من السياسة، وتذكرت حينها حكمة “مارجريت أتوود” التي تقول فيها: ولقّد تعلمتُ أن أستمِعَ إلى ما لم يُقال، لأنهُ عادة أكثرُ أهمية مما قدّ قَيل.