كتبه /أحمد بركات
قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه: إنكم تقرؤون هذه الأية: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ”، وإنكم تضعونها في غير موضعها، وإني سمعتُ الرسول ﷺ يقول: إنَّ الناس إذا رأوا المُنكر فلم يُغيروه أوشك أن يعمَّهم الله بعقابه”. حديث صحيح
والمقصود هنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر باللين والكلمة الطيبة، ثم بعد ذلك عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، فحين حرم الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل، الصيد يوم السبت في عهد نبى الله داود لمعصية اقترفوها، حفر الصيادون حياضاً وحفراً على شاطىء البحر يضعون بها شباكهم، فتصطاد الشباك الحيتان يوم السبت ثم يأخذونها يوم الأحد، كنوع من التحايل على النهى الإلهي!!، لا تتعجبوا فهم دائماً أهل مكر وحيل لذا قال صلى الله عليه وسلم “لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل”، فلما أمنوا العقاب أساءوا الأدب !!، فلم يكتفوا بتلك الحيل فاستحلوا الصيد يوم السبت جهرة، رغم النهى الإلهي عنه، فأخذ جزء من أهل القرية موقف إيجابياً بتذكيرهم بالنهي عن الصيد يوم السبت، وأخذ جزء أخر من أهل القرية موقفا سلبياً واكتفى بالمشاهدة، ودار هذا الحوار القرأني بين الفريقين، قال تعالى: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164).
(يعنى بلهجتنا العامية قال “الفريق الذي على الحياد”: يا جماعة انتوا ليه بتنصحوا الجماعة دول هم كده كده رايحين في داهية “إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء”، فرد عليهم الفريق صاحب الموقف الإيجابى “قالوا معذرة إلى الله”، احنا بس بنعمل اللي علينا ويكون لنا عذر عند ربنا لما يسألنا أنتوا عملتوا إيه لما شفتوا الغلط “ولعلهم يتقون” وجايز ربنا يهديهم).
أصر هؤلاء العصاة على الصيد يوم السبت فانقسمت القرية ثلاث أجزاء جزء مخالف وجزء بينهي عن المخالفة وجزء على الحياد، فنزلت العقوبة بهؤلاء المعتدين قال تعالى “فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ”.
“فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ” أصبح هؤلاء المصرين على المعصية وقد وتحولوا جميعاً إلى قرود، ونجا من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فعرفت القرود أنسابها من الإنس ولم تعرف الإنس أنسابها من القرود، فجعلت القرود يأتيها نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي، فيقول: ألم ننهكم فتقول برأسها: نعم، “وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ”.
فما حال الفرقة التي أخذت الموقف الحيادي ولم تنهى عن المنكر، اختلف المفسرون في ذلك إلى رأين، والأرجح أنهم ممن نجوا، فهى فئة لم تفعل المعصية ولكنها أيضاً لم تنهى عنها، فالظن الغالب أنهم قد نجوا، وما يؤيد ذلك أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الأخرين، .. ولكن بعيداً عن البحث والتدقيق في هذا الأمر، وسواءاً كان أصحاب الموقف الحيادي ممن نجا أم لا، لكن اليقين الذي يعنينا ولا يقبل الشك حقيقة لثبوته بالنص القرأنى، أن من نهى عن السوء هو من نجا وكان سبب نجاتهم “معذرة إلى ربكم “.