كتبه / أحمد بركات
إن لغة المصلحين وإن كان قد تبدو فى ظاهرها واحدة، وتحمل منطقاً مقبولاً، إلا أنها غالباً وللأسف لا تحمل نفس النوايا والأهداف، وهذه هى حقيقة المشكلة.
قال الله تعالى فى سورة غافر عن فرعون ” قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ” ، وقال سبحانه فى نفس السورة عن مؤمن أل فرعون “وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ”
فالظاهر الذى اتخذه كلاً من فرعون ومؤمن أل فرعون، طريقاً لدعوته أمام الناس هو سبيل الرشاد، فهكذا جميع المصلحين على مر التاريخ، يدعون أنهم يدعون إلى الخير وإلى الحب وإلى سبيل الرشاد، ولكن تبقى الحقيقة دفينة خلف تلك الكلمات، يراها القليل.
قطعاً النوايا والأهداف لا يعلمها إلا الله، ولكن ورغم أن النوايا هى مما يُخفى على الناس، ولكن رحمة الله بعباده شاءت أن يكون هناك علامات تنير لنا الطريق، علامات نستطيع أن نكشف بها عن حقيقة تلك النوايا.
تأملوا للحظات هذا الصراع الإصلاحى، فكل من هذين الرجلين “فرعون ومؤمن أل فرعون” يرى من نفسه مصلحاً، وإن كنا نتفق أن الحق مع أحدهما، لكن إعلموا أن الحق يظهر دائما لمن يطلبه، فليس الجميع يستطيع أن يرى الحقيقة، فالحقيقة ارتضت أن تكون لمن يطلبها كما أنها لن تكون دائما كما نطلبها، فالجميع يعتقد فى نفسه مصلحا، والحقيقة تظهر لمن يريد أن يراها من الناس،
اعلموا أن الإصلاح الحقيقى لن يبتعد كثيرا عن الحقيقة، وحين نتأمل لغة المصلحين جيدا ستتكشف لنا نوايا تختبىء خلف الكلمات.
نوايا تختبئ خلف الكلمات ..
قال الله سبحانه وتعالى فى سورة غافر عن فرعون : قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)” . وقال الله تعالى فى سورة غافر عن مؤمن أل فرعون ” وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ “.
انظروا الى هذه المبارزة القوية، والتى تكشف لنا حقيقة النوايا التى تختبئ خلف كلمات المصلحين ” فرعون، ومؤمن أل فرعون”.
وحين نتأمل تلك الكلمات ونطلب الحقيقة سنكتشف الحقيقة، ونعلم أن هدف فرعون من دعوته الاصلاحية، كان هدف خاص فقال ما أريكم إلا ما أرى، ثم تبع الهدف الخاص بهدف عام يظهره أمام الناس ليروج لدعوته، فقال ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، أما مؤمن أل فرعون فكان الهدف من دعوته الإصلاحية هدف عام فلم يكن له أية أهداف خاصة، قال اتبعونى أهدكم سبيل الرشاد، لن أريكم طريقا خاصة بى ولكن سأريكم طريق الخير الظاهر لمن أراد أن يراه.
كذلك يمكننا أن نكتشف حقيقة نوايا المصلح من أدواته، التى يستخدمها من أجل أن يحقق ذلك الإصلاح، هل يتخذ من الإصلاح ذريعة ليحقق أهداف خاصة، أم الهدف من الإصلاح هدف عام، فلقد اتخذ فرعون من الإصلاح ذريعة للجريمة وللتنكيل بالخصوم ” وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ” ، أما المصلح الحقيقى فيرفض الجريمة ويستنكرها ” وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ”
ويبقى المنطق العقلانى ظاهرا فى لغة المصلحين فى قول مؤمن أل فرعون ” وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ” ، ثم يأتى القول الفصل من الله حسما لهذا الخلاف : وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ .