للكاتب والمستشار/ أحمد بركات
بين قطعة زجاج تسمى المرآة .. ابحث عن فرصة لكى تكون إنسان، تقول الحكمة: إذا عرفت نفسك فلا يضرك ما قيل فيها.
في عام 2012 م كنتُ رئيساً لأحد اللجان الانتخابية الفرعية، بأحد محافظات الصعيد، وكنت قد اعتدت أن أقدم لسائق التاكسى المتعهد بتوصيلي إلى اللجنة الانتخابية نصيحة يومية في نهاية كل يوم، وتحديداً أثناء توجهي للفندق الذي كنت آوى إليه.
وفي اليوم الأخير وبعد فرز الأصوات الانتخابية، وتسليم النتيجة إلى اللجنة العامة المختصة، كان الوقت متأخراً قد تجاوز الثانية صباحاً، وكان يركب معنا أحد الموظفين المكلفين بعمل بذات اللجنة، طلب مني هذا الموظف أن أوصله لمنزله، نظراً لعدم وجود وسيلة مواصلات ليلية أو تاكسي يقبل توصيله، في هذا الوقت المتأخر، وإلى هذه المنطقة الخطرة، والتي لابد أن يمر بها فى سبيل الوصول لمنزله.
ونظراً لخطورة المنطقة التي يجب أن يمر بها ليصل للمنزل الذي يقطنه، طلبت من السائق توصيله قبل ذهابنا إلى الفندق، إلا أن السائق اعتذر لي بحجة أن هذه المنطقة يصعب دخولها ليلاً!!
فألح عليه الموظف، فرد السائق وقال للموظف باللفظ الحرفى: “اعذرني يا أبا أنا ما أقدرش أدخل المكان ده ولو مليتلى العربية فلوس”!!
فسألت السائق لما ذلك؟ فأجاب بما مضمونه “أن هذه المنطقة من المناطق الخطرة، التى يتربص قطاع الطرق بالماريين بها ليلاً بقطع الطريق عليهم والتعرض لهم وسرقة أموالهم، بل قد يتجاوز الأمر حدود ذلك، وأضاف السائق “كل واحد ورزقه”.
شـــئ مــــن الـخــــوف:
أصدقكم القول أني قلقت وترددت، ولكن لم أجد بداً من توصيل هذا الموظف، خاصة حين تذكرت مقولة الرئيس الراحل صدام حسين حين قال: إذا خانتك قيم المبادئ فحاول ألا تخونك قيم الرجولة.
بينت للسائق أنه ليس هناك بديل عن توصيله، فأين نتركه إذن بعدما لجأ إلينا؟ إلا أن السائق رد باللفظ الحرفي قائلا: “معلش ياباشا ما تحرجنيش، أنت ماتعرفش خطورة المكان ده، وأنا خايف عليك، وكان من واجب الأستاذ أن يحرص عليك، بل ويكرمك في محافظته، لا أن يدعوك لدخول مكان بهذه الخطورة”.
يقول رئيس جنوب أفريقيا “نيلسون مانديلا “: تعلمت أن الشجاعة ليست غياب الخوف، ولكن القدرة على التغلب عليه.
قلت للسائق إليك حكمة اليوم: عندما تبتسم لنا الأقدار فنحن لا نراها حين تبتسم، لكننا يمكن أن نكتشفها إن حاولنا أن نراها.
فــرصــة لا تـتــكـرر!!
فعندما تأتي فرصة للإنسان لكى يكون إنساناً ويسترد آدميته، ويقوم بموقف يليق بإنسانيته التي خلق عليها بكرم وشهامة، فياليته يستغل هذه الفرصة، لأنها غالباً لن تأتي مرة أخرى.
في مقابلة مع بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت وصاحب أبل، سألته المذيعة ماهو سر نجاحك..؟ فأعطاها شيك من دفتر شيكاته وقال لها اكتبي المبلغ الذي تريدين. اندهشت المذيعة وصمتت لبرهة!
وبعد مرور ثواني أجابها وقال: أنا لا أضيع الفرص كما فعلتِ أنت الآن؟، هل وصلتك فكرتي؟
فكرت المذيعة وسألته ..هل من الممكن أن تعاد الحلقة؟ فرد لا مشكلة .. ولكن الفرصة لن تعاد مرة أخرى .. هذا هو الفارق بيني وبينك فأنتِ ضيعتى فرصة وأنا كنت أستغلها ولا أفوتها.
فرد السائق قائلاً “مش فاهم يا باشا”.
قلتُ عندما توضع في موقف خارج توقعاتك، ويتجاوز حدود قدراتك، فاختر الجرأة، وأعلم أن الأقدار أعلم بقدراتك منك، وأنها منحة ربانية لاستعادة النفس، حينها ستعلم أن ما يختاره القدر هو أفضل اختيار. يعنى بالبلدى فرصة إنك تكون راجل، تمتلك صفات ومقومات الرجولة ومنها الشهامة، فإن ضيَّعت هذه الفرصة فقد لا تأتيك طيلة عمرك، أما إن تمسكت بها وتعلّقت فلن تقبل أن تعيش إلا شهماً وكريماً ورجلاً.
فاختر .. فاليوم لديك فرصة أن تختار بين أن تكون رجلاً أو أن تعيش طيلة عمرك (..؟..) ، أقصد دون الرجال.
يقول الكاتب والروائي الفرنسي فيكتور هوجو: جميع النساء قد يلدن الذكور، ولكن المواقف وحدها هي من تلد الرجال.
دورك الآن كي تختار.
ولكن قبل أن تختار تذكر مقولة العالم الأمريكي هنري وارد بيتشر: إن عيش الحياة ليس خياراً مطروحاً، فلابد أن تعيش الحياة، ولكن الخيار الحقيقي هو كيف تعيشها.
هذا بالفعل ما أجاب عنه أسد الصحراء عمر المختار حين قال: كن عزيزاً وإياك أن تنحني مهما كان الأمر، فلربما لا تأتيك الفرصة لترفع رأسك مرة أخرى.
فرد السائق قائلا: كدا فهمت يا باشا، “يعنى موت راجل وما تعيش عيل”، فضحكت وقلت “أيوا هى دي”.
فإبتسم السائق وانطلق ..
اذا أعجبك المقال اعمل متابعة للصفحة ليصلك كل جديد من مقالات ومقولات للكاتب بركات وتذكر أن الكلمة رسالة.