الكاتب/ أحمد بركات
أحياناً كثيرة نهرب من رؤية أهم حقيقة فى الدنيا وهى الموت، وأهم حقيقة فى الآخرة وهى البعث بعد الموت، إن صعوبة الموت فى سكراته، فى حرمانه، وصعوبة البعث فى حسابه.
سبحان الله نعيش الحياة ونلعنها !!
وعندما نموت نحزن لفقدان الحياة، وحينما نبعث نحزن لاسترداد الحياة، نحزن ونفرح لنفس السبب، ذلك لأننا اعتدنا أن نحيا دون حساب، لذا حزنا على فقدان الحياة حين كانت خالية من العقاب، وحزنا على استردادها حين كان هناك عقاب، وكأننا أردنا أن نحيا ونموت دون حساب، لا نرغب فى العقاب أحياء أو أموات.
ورغم أن الجزاء للصالحين هو الجنة، إلا أن فكرة الحساب فى كل الأوقات والأزمنة كانت هى الفكرة الأكثر قلقا حتى عند الصالحين.
عن النبي “محمد” صلى الله عليه وسلم قال : ” مَن أحبَّ لقاء الله، أحبَّ الله لقاءه، ومَن كرِه لقاء الله، كرِه الله لقاءه ” ، قالت عائشة رضى الله عنها : إنَّا لنَكره الموت ..”
هل السبب هو الخوف من الله تعالى ..؟
فإن كان ذلك فكلنا يخاف الله، وإن اختلفت درجات الخوف بحسب درجات الإيمان. ولكن الله سبحانه وتعالى يقول مطمئننا لنا “يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ(70)”.
لعله الخوف من التقصير فى الطاعة.. لكن الله سبحانه وتعالى يقول ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) “.
لعله الخوف من الذنوب والخطايا .. لكن الله سبحانه وتعالى يقول ” الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً”.
إنه الخوف من الحساب !!
فعندما حاول الكافرين إغراء المؤمنين لترك الإيمان، لم يغروهم بمال أو جاه، وإنما أغروهم بأن يتحملوا عنهم العقاب، لأنهم علموا أن غاية أمنية الإنسان أن يعيش ويموت دون حساب “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) “.
حتى أن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه الذى قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم “إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به” هذا الذى ضرب به المثل فى العدل، قال وهو يموت خوفا من الحساب ” ودِدْتُ أنِّي نَجَوْتُ منها كَفَافًا، لا لي ولَا عَلَيَّ، لا أتَحَمَّلُهَا حَيًّا ولَا مَيِّتًا”.
ولكن اعلم أن ما أُعطى لك وما أُخذ منك هى الحياة، وأن ما أُُخذ منك هو ما ستُعطاه، فأحسن فيما سيٌأخذ، فإنه هو ما ستلقاه. يقول الامام على ابن أبى طالب: “يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم”