للكاتب/أحمد بركات
دائماً هناك اعتقاد سائد بين الناس، أن الجنون والعبقرية لا يمكن أن يسكنا بعقلٍ واحد، فالإنسان العاقل هو عاقل على الدوام، والإنسان المجنون هو مجنون على الدوام، حتى جاء الطب الحديث، ليكشف لنا أن العبقرية هى أحد تجليات الجنون..!! تقول الحكمة دائماً يوجد في بعض الجنون حب، ولكن دائماً يوجد بعض المنطق في الجنون.
هل نفتقد السفهاء أم مازلنا لم نستغل بعد طاقات السفهاء؟!!
تعلمت منذ زمن بعيد ألا أحكم على الكلمات بصفة قائلها، ولكن بما تقدمه لي هذه الكلمات من أشياء تلامس احتياجي، ذلك أن الحكمة هى حسن فهم وتصرف، فالقوة في وقتها هى حكمة وسياسة، والصمت في وقته هو قوة وليس ضعف. يقول الشاعر جبران خليل جبران: الحق يحتاج إلى رجلين، رجل ينطق به ورجل يفهمه.
فليست الحكمة كما يعتقد البعض، فيما يبدو ويظهر من جمال الكلمات، إن الحكمة هى كلمة ذات معنى دقيق، تختبىء بين الكلمات، يراها القليل من الحكماء، لأنها غالباً لا تقرأ، فقد تجرى الحكمة بين كلمات جاهل دون أن يعلمها أو في تصرفات مجنون دون أن يعقلها، يقول عبد الله بن عباس رضى الله عنه “خذ الحكمة ممن سمعت، فإن الرجل ليتكلم بالحكمة وليس بحكيم”.
بين العبقرية والجنون تسكن الحكمة، إن للحمقى قدرات لم نحسن إستغلالها بعد!! ولكن السؤال الأهم هنا: هل يمكن ترويض الأحمق؟
يقول رئيس وزراء بريطانيا الأسبق تشرشل “إن أعظم درس في الحياة أن تعرف أن الحمقى يكونون على صواب أحيانا”.
أعتقد أنه ما أكثر السفهاء في زماننا، لكن من أين تأتي الاستفادة ممن لا يتحقق منه غير الضرر؟!! هل هذا ممكن؟ قد يكون ذلك ممكناً في بعض الأحيان، ولكن إذا أحسن توجيهه واستغلاله، ولكن كيف ذلك؟
طلبت من أحد الاصدقاء، التدخل نيابة عنى لاقناع هذه العائلة المعتدى عليها بالصلح، “تفصيل القصة في المقال السابق على الصفحة تحت عنوان ترويض الأحمق”.
لكنه فاجئني بهذه الكلمات الغريبة، قال بعد ثورة يناير مباشرة، وفي ظل غياب الرادع القانوني عند الناس، بدأ بعض الأفراد في القرية يتطاولون علينا، بل وصل الأمر إلى الإعتداء بالسب، وإلقاء الحجارة علي منازلنا، وأمام عجز كل قامات وقيادات العائلة عن رد هذا الأذى، شعرنا حينها بضعف لم نشعر به من قبل، بل كدنا نفقد هيبتنا تماماً بين الناس.
يكمل كلامه فيقول الغريب والمضحك في الأمر هو ما حدث بعد ذلك!!!، فقد جاء أحد أبناء العائلة الغير مرضى عنهم منا، فقد أرسلناه من زمن للعمل خارج البلاد للتخلص من المشاكل التي تنشأ عن تهوره، وبمجرد عودته ووجوده داخل القرية دخلت الفئران إلى جحورها.!!
حينها فقط أدركنا قيمته وعلمنا أنه ذراع قوي من أذرع العائلة، لا يقل شأناً عمن يفوقه مكانة، بل قد يكون أهم لأنه يؤدي دوراً لا يستطيع أن يؤديه غيره، فهو يغني الحكماء عن التعامل مع الحمقى.
لا أبالغ إن قلت، فبدونه لما استطعنا أن نواجه اعتداءات الناس، وتغير الأمر تماماً لصالح عائلتنا.
أصدقكم القول تذكرت حينها كلمات الرجل البسيط حين قال: “ان كل عيلة لازم يكون فيها سفيه يرد الكيد عن عائلته”.
تأملت كلمات الرجل البسيط وجدتها لا تختلف عن كلمات صديقي المثقف، فهى تكاد تكون واحدة بل وتحمل نفس المنطق، بل إن هذه الكلمات أثارت انتباهي إلى سياسات القوى العظمى وأفعالها، وتصورت وتبادر إلى ذهني حينها أن هذه الفكرة الغريبة من رجل متوسط التعليم، تظهر بوضوح في سياسات الدول العظمى وفي كل تعاملاتها، فهى تختلق هذا السفيه بل تحتضنه وتخلقه، أياً كان مسماه إرهاب أو أسلحة دمار شامل، ليكون اليد التي تبيح لها التدخل في مقدرات الدول الأخرى، ولو على سبيل إدعاء الإصلاح أو الوفاق، لكن الحقيقة الغائبة عن الكثير منا أن هذا السفيه دائماً هو من صنيعتهم، فلولاه لما استطاعوا التدخل من أجل السلام، وبهذا السفيه صارت تدخلاتهم بعيداً عن الاعتداء أو الإقحام، وتبين لي أننا بحق نفتقد السفهاء.
يقول: الفيلسوف الشاعر أبو العلاء المعري:
لمـا رأيت الجهل فـي النـاس فـاشيا
تجـاهـلـت حتى قيـل إنـى جـاهـل
فلا عجب كـم يدعـي الفضل ناقص
ووا أسفا كم يظهر النقص فاضـل
انتظرونا في سؤال الثلاثاء القادم لنجيب عن السؤال الأتى:
هل صناعة السفهاء لغة أفراد وعائلات أم هى منهج دول ومجتمعات؟ والاجابة مقال الخميس “لعبة الحاوى”.
لنعلم كيف استطاع الرجل البسيط أن يصنع سفيه، وماذا فعل الرجل بطل القصة ليأخذ حق عائلته؟
إذا أعجبتك المقولات اعمل متابعة للصفحة ليصلك جميع المقولات والمقالات اليومية للكاتب بركات.