كتبه/ أحمد بركات
الظل لا يعكس الحقيقة دائماً، فقد تبدو الأمور بشكل أخر على خلاف الظاهر. “قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ”.
يقول ابن رشد: إن الحكمة تقتضي النظر في الأشياء، بحسب ما تقتضيه طبيعة البرهان.
حين أراد سيزلارد دفع أستاذه وصديقه أينشتاين، لمخاطبة رئيس أمريكا روزفلت، لتصنيع القنبلة النووية، رفض أينشتاين، وقال إنه لا يرغب في الإشتراك في أي عمل، يمكن أن يكون سبباً في دمار الإنسانية، كما أنه يعلم تماماً أنه لا توجد علاقة شريفة يمكن أن تجمع بين العلم والسياسة.
إلا أن سيزلارد ذكر أينشتاين بالسياسات النازية القمعية المتبعة ضد اليهود، وقال إن الموت أحياناً هو أمر لابد منه لإستمرار الحياة، ومن منطلق هذا الغرض النبيل، وهو حماية الإنسانية من بطش النازية، خاطب أينشتاين الرئيس الأمريكى برسالة تحذيرية، مفادها أن ألمانيا على أعتاب تصنيع القنبلة النووية، استجاب رئيس أمريكا لهذا الخطاب بسرعة توجيه كل الطاقات لتصنيع القنبلة النووية ونجحت أمريكا في تصنيع أول قنبلة نووية.
بعد أشهر قليلة استسلمت ألمانيا، فأرسل أينشتاين للرئيس الأمريكى، يطلب منه التخلص من هذه القنبلة حفاظاً على البشرية، قطعاً لم يهتم الرئيس الأمريكي بذلك الخطاب.
وبعد أشهر قليلة وفي عام 1945 قامت أمريكا بإلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما ونجازاكى باليابان، لتقتل ألاف البشر..!!
وبعيداً عن كل التفصيلات أو الأسباب التي يمكن أن تسوقها أميريكا مبرراً لذلك، كان الهدف الرئيسي هو إطلاق رسالة تحذيرية إلى العالم، تعلن عن ميلاد قوة جديدة لا تُقهر، ووحش جديد لا يؤسر! من حينها تحول العالم لعالم أخر تحكمه القوة وتحكمه أمريكا.
ورغم أن خطاب أينشتاين الأول كان يحمل أغراضا نبيلة، فيكفي به أنه كان يحمل حسن النية، إلا أن حسن النية وحده ليس مبرراً كافياً للتخلص من الأخطاء، وبرغم أن أينشتاين لم يؤمن يوماً بالقنبلة النووية، كما أنه لم يرغب أن يساهم في صنعها، إلا أنه مات وهو يعتقد أنه كان سبباً مباشراً في تدمير الإنسانية ولو بحسن نية.
لنعلم أن أعظم الأخطاء قرينة بحسن النية، فليست المشكلة غالباً تنبع من سيئي النية، فهم بحد ذاتهم مشكلة ينبغي الحذر منها والإحتراز لها، إن المشكلة الحقيقية، غالباً ناتجة عن أخطاء من حسني النية، أساء استغلالها سيئوا النية، ذلك أن حسن النية قد يؤدي بحسن نيته إلى سيطرة سيئي النية.
تحياتي لأصحاب العقول الراقية.
إذا أعجبك المقال اعمل متابعة للصفحة ليصلك جميع المقولات والمقالات اليومية للكاتب بركات.