للكاتب والمستشار/ أحمد بركات
تدور أحداث الفيلم عن سيل ضرب أحد الكفور فأهلك كل شيء، فخرج أمام المسجد ليطلب مساعدة الكفر المجاور لهم ويسمى كفر أبو النور، وفي طريقه لذلك كان لابد أن يمر بجبل يسكنه المطاريد، وهناك إلتقى بجابر المجرم وقاطع الطريق، الذي ارتدى ملابس هذا الإمام، ليذهب لكفر مازن ليجمع لنفسه تلك الغنائم.
فيلم قديم بطل قصته هو جابر المجرم وقاطع الطريق، جابر الذى لم يعرف يوماً إلا الجريمة، الذي لم يعرف الرحمة يوماً، جابر الذي خرج من الجبل باحثاً عن الفريسة التي بكفر مازن، ذهب ليحصد الغنائم ولم يكن ليتورع ليحصد الأرواح في سبيل ذلك، لكنه اصطدم بنور لم يراه من قبل، لقد اصطدم بالحب، اصطدم بالخير، اصطدم بالرحمة.
ليؤكد لنا جابر أن المجتمعات النقية تصنع الأنقياء، وأن المجتمعات الخبيثة تصنع المجرمون والعتاة، ولذلك اختار الله لأنبيائه الخروج بعيداً عن تلك البيئات، لأنها بيئات خطرة، فأخرج نبيه محمد صلواته الله عليه، ومن قبله نوح وابرهيم ولوطاً وموسى وغيرهم من الأنبياء سلام الله عليهم، ليهىء لهم ولأتباعهم البيئة المناسبة والمجتمع الصالح.
إن من أنقذ جابر من أحضان الجريمة، هو خروجة من أرض الجريمة إلى أرض الخير والحب، الأن عرفنا لما قيل للرجل الذي قتل تسعا وتسعون نفساً اذهب إلى قرية كذا فان أهلها يعملون الصالحات.
ان قصة جابر لا تختلف كثيراً عن قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعون نفساً إلا في شىء واحد، أن الظاهر لنا أن جابر لم يطلب يوماً التوبة، ولكن الحقيقة تظل دائماً غائبة عن العامة، لتكون دوماً هناك علاقة خاصة وخفية بين العبد وربه، علاقة من طرفين فقط، اطلع الله فيها على قلب عبده، فلعل جابر طلب تلك التوبة بينه وبين الله.
لذلك لا تحكم على أي أحد بأنه إنسان سئ من ظاهر عمله، فإن كان عمله هو الظاهر لنا، ولكن تأكد دوماً أن هناك علاقة خفية وخاصة بين العبد وربه، اختص الله به نفسه لم يطلع عليها باقي البشر.
فلا تحكم مطلقاً على أي من الناس، فلعل من تراه مقصراً ينام كل يوم باكياً، لا يراه أحد إلا الله، ولعل من تراه ليس مصليا قبضت روحه بعد أن صلى ركعتين توبة بين يدى الله، ولعل من تراه معانياً، شاء القدر أن يحمل من الحسنات يوم القيامة، ما لم يحصله بعمله البسيط.
ولعل من تراه عابداً هو شيطاناً مارداً، وإنما يخبئ سمه في عباءة الطاعة، فقد كان الشيطان عزازييل قبل أن يبتليه الله بالسجود لأدم عابداً.
لا تشكك في أحد وتذكر أنه ليس دوراً من أدوارك التي خلقت لها أن تحكم على البشر.
وتأكد أن هناك شعرة خفية لا تراها الأبصار بين العبد وربه، تدلل على حقيقة لا يعلمها البشر، انما فقط يعلمها رب البشر.
إن البيئة هى من تصنع الصالح وهى التي تصنع المجرم، قال الله تعالى على لسان قوم النبى شعيب عليه السلام “قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ”.
إن هذه المجتمعات كانت الأعراف والعادات فيها سببا لرفض الحق. وأثناء ذلك أعلم أنه فى طريقك لطلب الحقيقة ستجد الأشواك، فهكذا عادة الزهر الجميل أن يسكن بين الأشواك، ولكن الحقيقة التي يجب أن تعلمها تظل الزهور زهوراً وإن كانت تسكن بين الأشواك.
إن طلب الحقيقة وطلب التوبة وطلب الصلاح لن ينال إلا من عند الله، الذى يعلم ما تحمل قلوب البشر، فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا بأنه من أهل الجنة لثلاثة أيام، حتى جعل العُباد من الصحابة يسعون لمعرفة ما الذي يفعله هذا الرجل، ليكتشفوا أن هناك تقيم أخر لله لعباده، يختلف عن تقيم العباد، هناك تقيم لا يعلمه إلا المطلع على القلوب، قال هذا الرجل لعبد الله ابن عمرو ولكني أنام ولا أحمل شراً أو كرهاً لأحد قال هذا ما وصلت به وهذا ما لا نطيق.
فلا تحكم على أحد حكما نهائياً بعمله الظاهر سواءاً كان صالحاً أو سيئاً، فيكفيك أن تعلم أن العبودية علاقة خاصة ترتقي بالعبد، قال سبحانه”يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون”.
وحين تنظر لكلمة عبادي تجدها شملت على خصوصية المعنى وخصوصية اللفظ فلم يقل سبحانه عبيدي فهذا لفظ درج أن ينتسب فيه البشر للبشر وإنما قال عبادي فدائماً وحين تسمع هذا اللفظ تشعر بالفخر أنك عبداً من عباد الله “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا”.
إن من نجا جابر من الجريمة، أنه خرج من مجتمع الجريمة إلى مجتمع أخر، نظر لجابر نظرة مختلفة، لنعلم اخواتي أن من نظرات الناس واشاراتهم سبباً رئيساً في ارتكاب أبشع الجرائم، فقد تساهم نظرة لا تأبه بها في خلق رجل صالح أو في صناعة مجرم، وتذكر دائماً “كذلك كنتم من قبل فمن الله عليك”.
لا تستهينوا بالنظرة فبنظرة يتحول شخص لمجرم يقدم على جريمة، وبنظرة حب واحتضان تجعل من شخص قاسي الطباع شخصاً لين القلب، فالنظرة تصل للقلب مباشرة.
ان البيئة هى التي تصنع الصالحين وتصنع المجرمين، جابر قاطع الطريق المجرم ذو القلب القاسي هو ذاته نفس الشخص ذو القلب الرقيق، لم يقل له أحد افعل الخير وإنما احتضنته نظرات أهل الخير فأصابت قلبه، احتضنته نظرات الحب قبل أفعاله لتجعل منه شخصاً أخر ذو قلب رقيق.
إنه هو ذات الشخص المجرم، إن ما اختلف هى البيئة، لذا قيل للرجل الذي قتل تسعاً وتسعون نفساً اذهب إلى قرية كذا، فان أهلها يعملون الصالحات، إن هذا الحديث النبوي الذي يروي هذه الواقعة، إنما يؤكد على أثر البيئة، لذا لا تحكم على أحد بأفعاله، فلعل الظاهر من أفعاله السيئة هو أقصى ما يفعل، ولعل الظاهر من أفعالك الصالحة هو عكس ما تفعل.
إن البيئة هى من تصنع المجرم وهى أيضاً من تصنع الصالح، فلا تكن عوناً للبيئة في الجريمة دون أن تدري، حافظوا على مجتماعاتكم كما كانت، وقبل أن تلوموا أبنائكم على ارتكاب الجريمة، انتقوا البيئة المناسبة لأبنائكم، حتى لا يقول أبنائنا إن وجدنا أباؤنا كذلك يفعلون.
هل جربت أن تكرر كلمات معينة في بيئات أو مجتمعات أو بقع مختلفة، ستجد أن هناك فارق في مذاق الكلمات وشعورك بها، وكأن الكلمات تلامس طاقات المستقبلين، فتنعكس على قائلها.
خالص تحياتي لأصحاب العقول الراقية.
اذا أعجبك المقال اعمل متابعة للصفحة ليصلك كل جديد من مقالات ومقولات للكاتب بركات وتذكر أن الكلمة رسالة.