للكاتب والمستشار/ أحمد بركات
هناك عبارة متداولة بين الناس تقول “في ناس لا بترحم ولا بتسيب رحمة ربنا تنزل”، طبعاً العبارة فيها خلل، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: “مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚوَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”.
لكن هذا لا يمنع من أنها تقال كثيراً، ولكن قطعاً أنا لا أعني المعنى الحرفي، الذي قد يتبادر للأذهان من مضمون تلك العبارة، إن ما أقصده أن بعض البشر قد يكونوا سبباً لمنع رحمة الفرد بغيره بفعل أفعالهم.
يقول الله سبحانه وتعالى: “مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ”.
منذ أكثر من عشرة أعوام، قررت أن أخصص مبلغا مالياً، لاقراضه لأصحاب الحاجة دون مقابل، وتمنيت أن يصل أجره لوالدي رحمه الله، فكان يأتيني صاحب الحاجة من الناس فيعرض علىَّ حاجته، فأقرضه قدر تلك الحاجة، وفي المقابل كان يرد ما أقرضته إياه على دفعات بالتقسيط دون زيادة، شعرت حينها بسعادة غامرة، فلقد اكتشفت أن السعادة الحقيقية تكمن في إسعاد الغير، واستمر ذلك الخير، إلى أن جاءني من أرهقني في السداد، ومن يطمع ومن يستعطف، فوجدت نفسي لا أستطيع أن أتعامل مع الناس حين أعطيهم الخير، فسألت نفسي فكيف لمن يعطيهم الشر؟!
وعندها جمعت ما تبقى من أصل المال ولم يكن بالكثير، قررت ألا أفعل مثل هذا الخير!!
مرت السنوات حتى اصطدمت يوماً، بمقولة للأديب الرائع شكسبير يقول فيها: أصعب معركة في الحياة، عندما يدفعك الناس أن تكون شخص أخر.
حينها تذكرت قصتي مع هؤلاء الأشخاص، وكيف استطاعت أفعال الناس أن ترغمني على ترك هذا الخير، لكنى أيضاً استنبطت من هذا الموقف حكمة عظيمة تقول، إذا كنت تعجز عن إرضاء الناس حين تعطيهم، فكيف تطلب رضا الناس حين تنهرهم؟
في الواقع أحياناً التعامل مع بعض البشر يعلم الحكمة، هذه ليست طرفة لكنها حقيقة. سئل لقمان: ممن تعلمت الحكمة؟ قال من الجهلاء، كلما رأيت منهم عيبا تجنبته.
الحقيقةً وأعترف لكم أني أخطأت، ولكن ليس الخطأ في كوني أعطيت، إن الخطأ الحقيقي حين قررت المنع بعد أن اعتدت على العطاء، فعلا صدق “شكسبير حين قال أصعب معركة في حياتك، عندما يدفعك الناس أن تكون شخصاً أخر.
لقد استطاع هؤلاء الأشخاص هزيمتي، ليس لأنهم أقوياء ولكني لكوني كنت ضعيفاً، لم أدرك بعد أن الجهل بالهدف من المعركة، من الأسباب الرئيسية في خسارة المعارك.
علمت حينها أن المشكلة الحقيقية لم تكن في هؤلاء الأشخاص، وإنما كانت في أنا، حين جهلت هدفي من العمل، فلم يكن هدفي إعطاء صدقات، وانما فك كربات الناس، أعلم أن كلاهما خير، ولكن التجربة أثبتت أن الجهل بالهدف من المعركة هو سبب رئيسي في خسارة المعارك.
فلكل هدف ومعركة تعامل خاص، علمت أنه كان يجب علىَّ بدلاً من المنع، أن أبحث في تصحيح وإصلاح العطاء، إن مثلي كمن دفن رأسه في الرمال، لتجنب مشكلة ما بالهروب منها لا بمواجهتها، أو كمن خاف ماء المطر خشية السيول.
وتذكرت وقتها مقولة للإمام ابن القيم يقول فيها: رضا الناس غاية لا تدرك، ورضا الله غاية لا تترك.
فسألت نفسي كيف أترك ما لا يترك، من أجل ما لا يُدرك؟!!
أنياب الخير!!
ما المانع من أن أفعل الخير، ولكن شريطة أن يكون بإدارة جيدة للخير، حتى لا يتحول الخير بسوء الإدارة إلى شر، ما المانع من اتخاذ الوسائل الوقائية لضمان نمو هذا الخير؟
بأن أجعل ذلك الخير مقترن بإيصال أمانه مثلاً، أو بغيره من الإجراءات الوقائية التي أضمن بها استمرار الخير أو العطاء، دون نظر للضرر المتعلق بشخص انتهازي، قدر النظر بالمصلحة التي تعود على المجموع.
يقول أحدهم: لا أعرف ما هو سر النجاح، لكني أعلم أن سر الفشل هو محاولة إرضاء الجميع.
إن من أساء بفعله فأضر بغيره، كان يستوجب ردعه، ليعلم أن للخير أنياباً يزود بها عن نفسه لأنه حق، وأن للشر ذيلاً يتخاذل به حين يغلبه الحق، فلا يكرر مثل ذلك.
فيا من تدعي حاجة لست بأهلها، تذكر أنك قد بخست أهلها، لا تظن أنك تحايلت على من أعطاك، إنما الحقيقة أنك تحايلت على الفقراء لسرقة أموالهم، فما أُعطيته بالخطأ، كان حقاً لفقير منعته أنت عنه بالعمد.
إن ما ارتكبته أضر بكامل المجتمع، بل إنك وبسوء فعلك أفسدت ما كان صالحاً، فلقد تسببت بحدوث خلل في المجتمع، حين تسببت فى الإضرار بالفقراء، والذين أصبحوا غير معلومين بسبب المحتالين أمثالك.
“وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ”.
اذا أعجبك المقال اعمل متابعة للصفحة ليصلك كل جديد من مقالات ومقولات للكاتب بركات وتذكر أن الكلمة رسالة.